قدم الشاعر نوري الجراح عبر مسيرته سردية شعرية مضادة تمثل الذات في صورتها الحقيقية، وتنقل المأساة السورية إلى مصاف التراجيديات الإنسانية الكبرى، وتفتح نصوصه الشعرية على التراث الإنساني الذي طوره مفهوم المنفى مع الاشتغال على فاعلية الرمز والإحالات إلى التاريخ والدين والأسطورة، كما عمد إلى استعادة الدور الحضاري للشرق في الحضارة الإنسانية وتشكيل الهويات المفقودة وإعادة بنائها بعيدا عن سيرورات سوء التعرف التاريخية.
تحاول المختارات في هذا الكتاب التمثيل لمراحل شعرية نوري الجراح؛ بشكل لم يغفل إنتاجاته الشعرية الأولى. ويحيلنا العنوان «ألواح أورفيوس» إلى المضمون العام لقصائد الجراح، فأورفيوس؛ الشخصية الأسطورية من الميثولوجيا الإغريقية، موسيقي وكاتب عرف برحلاته البحرية وقدراته السحرية الخارقة، مما جعله يجذب الجميع إلى ألحانه، ومن هنا يمكن اعتباره الوجه المناسب لنوري الجراح الذي يتوحد عبره مع أناه داخل النص الشعري ويشير إلى إمكانية تفاعل تجربة أورفيوس وتداخلها مع تجربته. ورغم أن العنوان مستمد من عنوان إحدى قصائد الشاعر الواردة في مجموعته الشعرية «حدائق هاملت»؛ فإن العنوان لا يحيل إلى تلك القصيدة، بل يحيل إلى تجربة أورفيوس المعاصر الذي يعزف على قيثارة بلا أوتار، ومن ثم يشير إلى حالة التشظي التي تكفلها روح الأسطورة ورحلة البحث الدائمة عن الذات والوجود.